سورة الأنعام - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} تركوا ما وعظوا وأمروا به، {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} قرأ أبو جعفر، {فتَّحنا} بالتشديد، في كل القرآن، وقرأ ابن عامر كذلك إذا كان عقبيه جمعاُوالباقون بالتخفيف وهذا فتح استدراج ومكر، أي: بدلنا مكان البلاء والشدة الرخاء والصحة، {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} وهذا فرح بطر مثل فرح قارون بما أصاب من الدنيا، {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} فجأة آمن ما كانوا، وأعجب ما كانت الدنيا إليهم، {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} آيسون من كل خير، وقال أبو عبيدة: المبلس النادم الحزين، وأصل الإبلاس: الإطراق من الحزن والندم، وروى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته، فإنما ذلك استدراج»، ثم تلا {فلما نسوا ما ذكروا به} الآية.
{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي: آخرهم الذين بدبرهم، يقال: دبر فلان القوم يدبرهم دبرا ودبورا إذا كان آخرهم ومعناه أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية، {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم لأنه نعمة على الرسل، فذكر الحمد لله تعليما لهم ولمن آمن بهم، أن يحمدوا الله على كفايته شر الظالمين، وليحمد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ربهم إذا أهلك المكذبين.
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} أيها المشركون، {إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ} حتى لا تسمعوا شيئا أصلا {وَأَبْصَارَكُمْ} حتى لا تبصروا شيئا، {وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} حتى لا تفقهوا شيئا ولا تعرفوا مما تعرفون من أمور الدنيا، {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} ولم يقل بها مع أنه ذكر أشياء، قيل: معناه يأتيكم بما أخذ منكم، وقيل: الكناية ترجع إلى السمع الذي ذكر أولا ويندرج غيره تحته، كقوله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [التوبة، 62]. فالهاء راجعة إلى الله، ورضى رسوله يندرج في رضى الله تعالى، {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} أي: نبين لهم العلامات الدالة على التوحيد والنبوة، {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} يعرضون عنها مكذبين.


{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً} فجأة، {أَوْ جَهْرَةً} معاينة ترونه عند نزوله، قال ابن عباس والحسن ليلا أو نهارا، {هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} المشركون.
قوله عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ} العمل، {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} حين يخاف أهل النار، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} إذا حزنوا.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ} يصيبهم {الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} يكفرون.
{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} نزل حين اقترحوا الآيات فأمره أن يقول لهم: {لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} أي خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون، {وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} فأخبركم بما غاب مما مضى ومما سيكون، {وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} قال ذلك لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه الآدمي ويشاهد ما لا يشاهده الآدمي، يريد لا أقول لكم شيئا من ذلك فتنكرون قولي وتجحدون أمري، {إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} أي: ما آتيكم به فمن وحي الله تعالى، وذلك غير مستحيل في العقل مع قيام الدليل والحجج البالغة، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ}؟ قال قتادة: الكافر والمؤمن، وقال مجاهد: الضال والمهتدي، وقيل: الجاهل والعالم، {أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} أي: أنهما لا يستويان.


قوله عز وجل: {وَأَنْذِرْ بِهِ} خوّف به أي: بالقرآن، {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا} يجمعوا ويبعثوا إلى ربهم، وقيل: يخافون أي يعلمون، لأن خوفهم إنما كان من علمهم، {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ} من دون الله، {وَلِيٌّ} قريب ينفعهم، {وَلا شَفِيعٌ} يشفع لهم، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فينتهون عما نهوا عنه، وإنما نفى الشفاعة لغيره- مع أن الأنبياء والأولياء يشفعون- لأنهم لا يشفعون إلا بإذنه.
{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} قرأ ابن عامر {بالغدوة} بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها، هاهنا وفي سورة الكهف، وقرأ الآخرون: بفتح العين والدال وألف بعدها.
قال سلمان وخباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وذووهم من المؤلفة قلوبهم، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فقالوا: يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم، وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها، لجالسناك وأخذنا عنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: {ما أنا بطارد المؤمنين} قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا فرغنا فاقعد معهم إن شئت، قال: نعم، قالوا: اكتب لنا عليك بذلك كتابا، قال: فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب، قالوا ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بقوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إلى قوله: {بِالشَّاكِرِينَ} فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده، ثم دعانا فأثبته، وهو يقول: {سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}، فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل: {واصبر نفسك ممع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف، 28]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمس ركبته، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم، وقال لنا: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات».
وقال الكلبي: قالوا له اجعل لنا يوما ولهم يوما، فقال: لا أفعل، قالوا: فاجعل المجلس واحدا فأقبل إلينا وولِّ ظهرك عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}.
قال مجاهد: قالت قريش: لولا بلال وابن أم عبد لبايعنا محمدا، فأنزل الله هذه الآية: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} قال ابن عباس: يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي، يعني: صلاة الصبح وصلاة العصر، ويروى عنه: أن المراد منه الصلوات الخمس، وذلك أن أناسا من الفقراء كانوا مع النبي عليه السلام، فقال ناس من الأشراف: إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا، فنزلت الآية. وقال مجاهد: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص، فقال سعيد: ما أسرع الناس إلى هذا المجلس! قال مجاهد: فقلت يتأولون قوله تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} قال: أفي هذا هو، إنمأ ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، وقال إبراهيم النخعي: يعني يذكرون ربهم، وقيل المراد منه: حقيقة الدعاء، {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي: يريدون الله بطاعتهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يطلبون ثواب الله فقال: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي: لا تكلف أمرهم ولا يتكلفون أمرك، وقيل: ليس رزقهم عليك فتملّهم، {فَتَطْرُدَهُمْ} ولا رزقك عليهم، قوله: {فَتَطْرُدَهُمْ} جواب لقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وقوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} جواب لقوله: {وَلا تَطْرُدِ} أحدهما جواب النفي والآخر جواب النهي.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9